دراسة حول الفقر وحلول للقضاء عليه

مقدمة
الفقر ظاهرة عالمية عرفتها وتعرفها كل شعوب الأرض، وقد لا تخلو منها دولة من الدول، ولا مدينة من المدن. تنخر في خلايا المجتمعات فتساهم في خلق الكثير من الآفات: سوء التغذية، الأمراض، والجهل. وأصبح ممكنًا قياس هذه الظاهرة، وأصبحنا نضع تعاريف للفقر، والفقر المدقع، وخط الفقر، والفقر الأدنى، والفقر الأعلى، ومع هذا هل هناك مفهوم ومقياس واحد للفقر؟ ولخط الفقر؟ أي هل الفقر في السودان يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقر في إسرائيل أم في كندا؟ أو في الولايات المتحدة الأميركية؟  أو أن ذلك قد يختلف من دولة إلى دولة ثانية؟ ما هي العوامل التي تساهم في عملية الفقر في دول عربية؟ ما هي آثار الفقر؟ وما هي بعض الحلول المقترحة للخروج من هذا المأزق الكبير المتنامي؟
بداية نود أن نشير إلى أن متوسط دخل الفرد في إسرائيل يوازي مجموع دخل الفرد في عشر دول عربية ويزيد (3280 دولاراً). ولكن هل هذا يعني أن كل الاسرائيليين أغنياء، ولا يوجد في إسرائيل فقراء؟! هل هذا يعني أن كل أفراد المجتمعات العربية في الدول العشر المذكورة آنفًا هم فقراء، وهل تفتقد هذه المجتمعات إلى مواطنين متوسطي الحال، أو مواطنين أغنياء.
لن نقف عند القضية التقنية، أي لن نبحث بمقاييس خط الفقر، والفقر الأعلى، وفجوة الفقر، أو عند قياس مستويات المعيشة، وتصنيف الأسر والسكان، ما يهمُّنا هو عرض بعض أوجه هذه الظاهرة وآثارها، أي علاقتها بالمرض، والجهل، والجوع.
إن موضوع الفقر متشعب جداً، ذلك أنه حين تريد الكتابة في الفقر تجد نفسك ملزماً الكتابة في الاقتصاد وفي الاجتماع، في الناتج المحلي، في السكان، في البطالة، في العمالة، في الأمية، في الصحة، في الدَين العام، في الموازنة العامة، باختصار، لا يوجد ميدان إلا ونجد أنفسنا ملزمين خوض غماره إذا أردنا أن نوفِّيَ الموضوع حقه. في هذا البحث سنتناول نقاطًا محددة.
ما هو مفهوم الفقر؟ ما حجمه في دول عربية ودول غربية؟ ماهي بعض أسبابه؟ ماهي بعض آثاره؟ وما هي بعض الحلول المقترحة؟

أولاً: مفهوم الفقر
تعرّف المنظمات الدولية الفقر على "أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وكل ما يعدُّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة". واتسع هذا المفهوم واصبح أكثر شمولاً خصوصاً بعد قمة كوبنهاغن العام 2006 التي شدَّدت على أهمية حصول الفرد على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتأمين بيئة سليمة، وفرص المشاركة الديمقراطية في اتخاذ القرارات في جوانب الحياة المدنية.
كان المرء يعتبر فقيراً إذا كان دخله لا يستطيع أن يؤمن له الإنفاق الكافي لتأمين الحد الأدنى من حاجاته الغذائية، وأصبح الإنسان اليوم يُنعت بالفقير إذا كان غير قادر على تأمين مجموعة من الحاجات من بينها الغذاء الصحيح والسكن والملبس والطبابة والاستشفاء والصرف الصحي والمياه النقية للاستهلاك البشري، وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، وتلبية الواجبات الاجتماعية. وبشكل عام، إن البلد الذي دخل الفرد فيه دون الدولارين يعتبر في حالة فقر كبير، ومن كان دخل الفرد فيه على حدود الدولار الواحد يكون ملامساً عتبة الفقر المدقع.
اعتبر البنك الدولي أن الدول التي يقل معدل دخل الفرد السنوي فيها عن 600 دولار أميركي، دولاً فقيرة، ثم خفض هذه القيمة إلى 400 دولار أو ما يوازيها من العملات الأخرى العام 1992وثمة دول أخرى، دخل الفرد فيها أقل بكثير من 300 دولار أميركي سنوياً، وهي بهذه الحالة  تعتبر دولاً في حالة فقر مدقع. وعندما تمَّ إدخال عناصر أخرى إلى جانب موضوع الدخل، تتعلَّق برفاه الإنسان نتبيَّن أن دولاً عظمى متوسط دخل الفرد فيها مرتفع جداً، ومع هذا، يلامس الفقر فيها الملايين من أبنائها (الولايات المتحدة الأميركية).
لقد ارتفع عدد الدول الأقل نمواً (نادي الفقراء) من 25 دولة العام 1971 إلى 48 دولة العام 1999، وأصبح اليوم 86 دولة. والملفت أن حوالى 3 مليارات شخص في العالم يعيشون على أقل من دولارٍ واحد يومياً. إن عدد الفقراء في الدول العربية كان بين 90 و100 مليون نسمة العام 1992 أي بين 34 و38% من عدد السكان. ويظهر أنه كلما ارتفع سعر النفط كلما ازداد عدد الفقراء.
ويعود تصنيف خط الفقر إلى المعايير المتبعة في البلد نفسه. ففي أوروبا مثلاً إذا كان دخل الفرد أقل من 55% من دخل المواطنين المتوسطي الحال يعتبر مواطناً فقيراً. ولنأخذ نموذجاً عن الفقر في هولندا حيث يعتبر فقيراً من لم يتمكَّن من الحصول على المال الكافي لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً مثل الطعام والملبس والمسكن بما في ذلك الماء والطاقة. فعلى سبيل المثال في نهاية العام 2005 أصدر المكتب الهولندي للتخطيط الثقافي والاجتماعي والمكتب المركزي الإحصائي إنذاراً مشتركاً بأن هناك ما نسبته أكثر من 10% من سكان هولندا كانوا مضطرين إلى العيش على "دخل منخفض"، ولا تشمل السلع الكمالية مثل شراء المساكن الخاصة، والسفر لقضاء الإجازات والكحول والتبغ. ويعتبر تقرير جديد صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونيسف)، بريطانيا أسوأ مكان في رفاهة الأطفال بين الدول المتقدمة لنشأة الأطفال. وذكرت سكاي نيوز الأربعاء في 15 أيلول/سبتمبر 2007 أن يونيسف قالت: إن أطفال بريطانيا هم الأكثر تعسًا وفقرًا، والأقل صحة، والأشد إهمالاً في الدول الإحدى والعشرين الأغنى في العالم، لتأتي في ذيل قائمة من 40 مؤشراً مختلفاً لرفاهية الطفل.
طبقاً لتقرير يونيسف الصادر تحت عنوان " فقر الطفل في المنظور: نظرة عامة على حالة الطفل في الدول الغنية"، فإن بريطانيا تتخلَّف عن الدول الصناعية من حيث الفقر النسبي والحرمان وجودة علاقة الأطفال بالآباء ونظرائهم، وصحة الطفل وسلامته، والسلوك والتعرض للمخاطر، وإحساس الصغار أنفسهم بالخير. وعلى الرغم من المستوى العالي في جودة التعليم، فإن بريطانيا مازالت في قاع كل المعايير الأخرى، لتأتي بذلك في مؤخرة الدول الإحدى والعشرين. وهذه هي أول دراسة تجريها يونيسف عن رفاه الطفل في العالم  المتقدِّم، وهي تمثل ضربة قوية للحكومة البريطانية والتي جعلت من أهدافها الرئيسة تقليل فقر الطفل إلى النصف بحلول العام 2010.
من المنطلقات السالفة يمكن القول إنه لا يوجد مقياس واحد للفقر في الدول، ذلك أنه إذا أخذنا دولاراً واحداً كمعيار للفقر المدقع في الدول العربية، فإن نسبة الفقراء في الدول العربية لن تتجاوز 2.5 % أو  3.5%، ويبدو هذا الأمر غير مقنع، كما أنه يوجِّه رسالة مضلِّلة مفادها أن مكافحة الفقر ليست من أولويات التنمية في المنطقة العربية، إضافة إلى أن هذا المقياس "لا يصلح لتقييم وضع الفقر في معظم البلدان العربية ذات مستوى التنمية والدخل المرتفع أو المتوسط"(3). ولو احتسبنا الفقر وفق معيار من لا يحصل على الدولارين في اليوم، فإن نسبة السكان الفقراء تصل إلى 31.5%.
المهم الذي لا يقبل الشك، أن الفقر مرتبط ارتباطاً أساسياً بتوافر المال الضروري لتأمين الحاجات الإنسانية، لأن توافره يبعد عن الانسان العوز، والتشرُّد والارتهان لإرادة الآخرين. فإذا ما تأمَّن المال فإنه يساهم في تحرير الإنسان من ضغوطات الحياة، ويتمكَّن بالتالي من تملك القدرة على التحكم بمقدرات حياته.
ثالثاً: أسباب الفقر
1-انخفاض مستوى التنمية الاقتصادية
بداية، نود أن نشير إلى أن اختراع الآلة في بدايات القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وتطور التكنولوجيا خصوصاً في ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانتشارها في ما بعد بشكل مذهل، ساهما إلى جانب عوامل أخرى وإلى حد كبير في إحداث الفقر. ذلك أن الآلة اضطلعت بدور أساسي في زيادة طلب اليد العاملة أولاً، ثم إلى تراجع طلبها: فبعد أن كانت الأرض الزراعية تحتاج إلى مئات العمال الزراعيين راح التراكتور و الحاصدة يحلان محل أغلبيتهم، وبعد أن كان قطاع الصناعة يحتاج إلى عشرات الألوف من الأيدي العاملة، أدت التطورات التي دخلت على الآلة إلى الاستغناء عن الكثير منها، وليكتفي هذا القطاع بالقليل من العمال المهرة المدربين القادرين على استخدام التكنولوجيا المتطورة، وحلَّت بالتالي الآلة ذات القدرة الهائلة مكان باقي العمال، وأصبح العمل يتطلَّب عمالاً يتمتَّعون بقدرة على مماشاة التطور التكنولوجي والتأقلم معه. بطبيعة الحال صنفت العمال إلى كفوء له مكان الصدارة والأولوية بالحصول على العمل والأجر الكبير، والذي لا يتمتَّع بقدرة مماشاة تطوُّر الآلة واستخدامها هوى إلى أسفل. والنتيجة بطالة كبيرة ومزمنة لمن لا يعرف استعمال الآلة، وأجر زهيد لا يكفي لتأمين حياة كريمة. فبرزت الأزمات الاجتماعية الكبيرة، وتراكمت وتزايدت آثارها الإنسانية السيئة. وكلما تطور "أداء" الآلة، وتحسنت قدرتها على قيامها بأعمال العامل، كلما استغنى رب العمل عن العامل "وارتاح" من مطالب العمال واحتجاجاتهم وانتفاضاتهم. لقد حملت الثورة الصناعية والثورة التكنولوجية في طيَّاتهما التقدم والتطور والإزدهار، وحملتا أيضاً أسوأ النتائج للإنسانية: زيادة في الفقر، وفي الجوع، والجهل والمرض.
أدَّى القطاع الزراعي ويؤدي دوراً أساسياً في اقتصاد أي دولة من الدول، لما يؤمنه من حاجات المجتمع من الغذاء، ولما يوفره من مواد أولية للعديد من الصناعات التحويلية (القطن مثلاً)، ولما يؤمنه أيضاً من عمل لنسبة هامة من القوى العاملة، خصوصاً في الدول العربية ( 28.6%)، إلا أن الناتج الزراعي العربي والذي لا تتعدَّى نسبة مساهمته 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي العام 2006، وعلى الرغم من توافر أراض واسعة للزراعة (السودان والصومال مثلاً) لم يستطع أن يؤمن الحاجات الضرورية، فانتاجية العمل في القطاع الزراعي العربي لا تتعدى 60% من انتاجية العمل في الدول المتقدمة. إن الميزان التجاري الزراعي العربي في عجز دائم ومتزايد، حيث ارتفع العجز العام 2005 إلى 23.5 مليار دولار، وأدَّى استمرار التفاوت بين الانتاج الزراعي والطلب على السلع الزراعية إلى ارتفاع الفجوة الغذائية في السلع الزراعية الرئيسة حيث بلغت حوالى 17.9 مليار دولار العام 2005، وتراجعت بالتالي نسبة الاكتفاء الذاتي في الدول العربية لعدد من السلع الغذائية الضرورية.
تشكل الصناعة الاستخراجية والتحويلية الركيزة الأساسية للصناعة العربية التي يعمل فيها حوالى 19.2 مليون مشتغل، يشكلون حوالى 16.3% من القوى العاملة العربية، وتعتبر النسبة متدنِّية مقارنة مع الدول النامية مثل ماليزيا، وتركيا، والمكسيك والتي تراوح فيها بين 23% و32%(14).
2- ارتفاع معدل البطالة
تنتشر البطالة بشكل واسع في الدول العربية، وهي تشكِّل 21% العام 2004، ومجموع الشباب العاطلين عن العمل بين سني 15 و24 حوالى 5 ملايين و200 الف شاب.
"من جانب نظري، تفسر البطالة أو نقص التشغيل بنقص في النمو والاستثمار لاستيعاب الأعداد الهائلة لطالبي الشغل. وعلى هذا لأساس، فإن حل مشكلة البطالة يكمن بشكل رئيس في تحفيز النمو والاستثمار واتخاذ الاجراءات والقيام بالاصلاحات اللازمة لجعل هذا النمو مستداماً. كما يتطلَّب حل مشكلة البطالة إصلاحات أخرى على مستوى السياسات السكانية، وعلى مستوى المنظومة التعليمية، لتتماشى والحاجيات العصرية لأسواق العمل ومتتطلبات القطاع الخاص في إطار دوره المتنامي في الاقتصادات العربية". والواضح أن فئة الأميين تمثل قاعدة عريضة من القوى العاملة في عدد من الدول العربية، اليمن، السودان، موريتانيا، المغرب، السعودية ومصر، وتعاني أسواق العمل العربية ندرة القدرات المعرفية العالية مع مقارنة أقاليم رئيسة أخرى.
وتتركز البطالة بين الشباب والنساء والباحثين عن عمل لأول مرة: تتمثل خطورة مشكلة البطالة وضخامتها في أوساط الشباب المتعلمين، وطالبي العمل لأول مرة إذ سجلت الدول العربية معدل بطالة يعتبر الأعلى بالنسبة إلى شريحة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة، حيث تفيد تقديرات عام 2003 بأن متوسط معدل البطالة بين الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي (26.5%) مقابل متوسط دولي يبلغ (14 %). وتتخطى نسبة الشباب العاطلين عن العمل (50%) من مجموع العاطلين عن العمل في العديد من دول المنطقة، مثل سورية واليمن والبحرين والسعودية، ومصر والأردن. ومن ناحية أخرى بلغت نسبة طالبي العمل من إجمالي العاطلين عن العمل ولأول مرة في مصر ما يزيد عن (90%)ن وفي قطر والكويت حوالي (80%)(18).
نظرة إلى الجدول الرقم (2) يتبين لنا أن نسبة البطالة مرتفعة في أغلب الدول العربية، فمعدلها في موريتانيا 32.0%، وتأتي بعدها الجزائر بنسبة بطالة تبلغ 29.9%، وتتراجع هذه النسب في سورية ولبنان وجيبوتي. وتتراجع نسبة البطالة أكثر فأكثر في دول الخليج العربي: عُمان والسعودية والكويت و البحرين والإمارات وأخيراً قطر التي تتدنى فيها نسبة البطالة لتصل إلى 2.3%. ويعزو استمرار البطالة وتزايدها في بعض الدول العربية إلى النمو السكاني المرتفع فهو حوالى 3%، ويعود كذلك إلى عدم مجاراة النمو الاقتصادي في العديد من الدول العربية لهذا النمو، وبقاء الشباب في النظام التعليمي لمدة أطول، وضعف مساهمة المرأة في شؤون العمل. وتعد البطالة من العوامل الرئيسة التي تساهم في الفقر، لأن رب الأسرة يصبح عليه واجب إطعام أفواه أكثر، بدلاً من أن يتمكن بعض أفراد اسرته من تأمين حاجاتهم الغذائية أو الطبية بمعزل عن رب الأسرة، وهكذا يثقل كاهل الأب أكثر فأكثر في السعي لتأمين الحد الأدنى.
"وتشير تقديرات معدل البطالة في الدول العربية كمجموعة أنه الأعلى بالمقارنة مع أقاليم العالم الأخرى في العالم، وذلك نظراً إلى أن النمو المرتفع في حجم قوة العمل خلال السنوات الأخيرة لم يقابله نمو اقتصادي بالوتيرة ذاتها، ما أدَّى إلى عدم مواكبة معدلات التوظيف للزيادة الهائلة في عرض العمل. ونتيجة لاستمرار الضغوط على أسواق العمل العربية من جراء تراكمات الفجوة بين معدلات نمو حجم قوة العمل من ناحية ومعدلات التوظيف من ناحية أخرى، يقدر أن المنطقة قد تحتاج إلى توفير أكثر من 100 مليون وظيفة إضافية بحلول العام 2020 للقضاء على البطالة، ما يعني مضاعفة المستوى الحالي للتشغيل. كما أن دول المنطقة تحتاج سنوياً إلى توفير أكثر من 4 ملايين وظيفة إضافية لإبقاء معدلات البطالة عند مستواها الحالي. ويتطلَّب ذلك تحقيق معدلات نمو حقيقية في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ في المتوسط بين 6 و 7 (% سنوياً، وهو ما يفوق متوسط معدلات النمو المحققة في العديد من الدول العربية خلال العقود الأربعة الماضية.
ولو ألقينا نظرة على جانب من الدراسة التي أعدَّتها منظمة العمل الدولية العام 2004 لتبين لنا الآتي: إن كلفة القضاء على عمل الأطفال في العالم الذين تراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة، وخلال فترة عشرين عاماً بين العامين 2000 و2020 هي بحدود 760 مليارًا و300 مليون دولار أميركي، أي حوالى 38 مليارًا و15 مليون دولار سنوياً، حيث يتم توفير التعليم لهؤلاء. أما مردود هذه البادرة، أي المنافع الاقتصادية المحققة، فهي حوالى 5 تريليون و 87 مليار دولار في مجال التعليم، أما في مجال الصحة فالمنافع هي 28 مليار دولار، ويكون مجموع المنافع 5 تريليون و106 مليارات دولار، وبالنتيجة تكون صافي المنافع المالية 4 تريليون و132 مليارًا و500 مليون دولارأميركي. وإذا ما علمنا بأن 7% من الفتيات و9% من الذكور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منخرطون في نشاطات عمل الأطفال وأعمارهم بين 5 و14 سنة لتبيَّن لنا كم هو مهم عمل المنظمات الأهلية والدول العربية لسد هذه الثغرة، وإن كانت الأصغر قياساً على باقي مناطق العالم
3: تفشي الفساد
الفساد بحسب المركز البرلماني الكندي والبنك الدولي والوكالة الكندية للتنمية الدولية، هو إساءة استخدام المنصب العام من أجل تحقيق المكاسب الشخصية أو لمصلحة شخص أو جماعة ما، ويحدث الفساد عندما يقبل المسؤول أو الموظف العام المال أو يلتمسه أو يغتصبه، أو عندما يعرض الوكيل الخاص المال بغرض التحايل على القانون تحقيقاً للمنفعة التنافسية أو الشخصية .
"قدر البنك الدولي للإنشاء والتعمير حجم الرشى في قطاع الإنشاء والتعمير في العالم، بحوالى 1000 مليار دولار "تريليون" العام 2003، وهو ما يعادل 2.78 مليار دولار يومياً، 40% منها تتم في العقود الحكومية، بما يتجاوز 400 مليار دولار. وقدر في الوقت نفسه حجم نشاط قطاع الإنشاءات، بحوالى 3200 مليار سنوياً. وأكد تقرير منظمة الشفافية الدولية "TI"، أن الرشى يستولي عليها قلة من البشر على حساب غالبية المواطنين، فتؤثر بشكل كبير على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل: القضاء على الجوع الذي يعانيه 1.2 مليار شخص يعيشون على أقل من دولار في اليوم، وتعميم التعليم الابتدائي بحيث يستوعب 113 مليوناً من الأطفال محرومين من فرص التعليم في العالم، وتخفيض وفيات الأطفال دون سن الخامسة بواقع الثلثين، حيث يموت 11 مليوناً من الأطفال الصغار سنوياً. وفي محاولة لتقليص حجم الرشى والفساد بشكل عام، وقَّعت 15 دولة، من بينها السعودية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2007، على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
ويقول رئيس المنظمة، بيتر ايجن، في عرضه لتقرير عن الفساد العام 2005، "يعد الفساد في المشاريع العامة الكبيرة الحجم، عقبة كبيرة أمام التنمية المستدامة، ويعد كارثة كبيرة على الدول المتطورة والنامية على حد سواء"، مضيفاً "أنه عندما يغلِّب الإنسان المال على القيم تكون النتيجة إنشاءات رديئة الجودة وإدارة ضعيفة للبنى التحتية، وأن في ذلك مضيعة للمال، ونهبًا لموارد الدول، وقتل أرواح في الكثير من الأحيان"، مؤكداً على ضرورة "المحافظة على الأموال والمعونات المخصَّصة لمشاريع إعادة البناء في بعض الدول، مثل العراق من خطر الفساد"، وشدَّد على أنه "يجب أن تكون الشفافية الشعار الأول، وخصوصًا في هذا الوقت الذي تقوم فيه الدول المانحة بضخ مبالغ هائلة من أجل إعادة البناء في الدول الآسيوية التي تضرَّرت بفعل مد تسونامي
يظهر تقرير الفساد العالمي للعام 2005 الذي قدَّمته منظمة الشفافية الدولية كيف أن الفساد في قطاع الإنشاءات يعيق تطور الاقتصاد ويهدِّد بوقف عجلة إعادة البناء في العراق وغيره، وتقوم منظمة الشفافية الدولية بنشر الحد الأدنى لمعايير المصادقة على العقود العامة. ويضيف ايجن: لقد أظهرت الفضيحة التي تم الكشف عنها في البرنامج الممول من قبل الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء والخاص بالعراق الحاجة الملحة لوضع قوانين صارمة في ما يتعلق بتضارب المصالح، وأهمية الانفتاح في عملية المناقصات. إن صدقية المجتمع الدولي من أجل الاضطلاع بدور أكبر في كبح جماح الفساد تعتبر صدقية مجروحة بعد ما شهده العالم من فضيحة النفط مقابل الغذاء، والسرية المحيطة بحصة الحكومة الأميركية من مشاريع إعادة البناء في العراق. لقد تم تصميم المشاريع بطريقة لا تمكن الشركات الصغيرة من الدخول في دائرة المنافسة. إضافة إلى هذا فالكثير من العقود ربحته شركات مقرَّبة من أشخاص لهم صلة في الوقت الحالي مع الحكومة مثل شركتي Halliburton  و Bechtel وبدأت تظهر بدايات دلائل عن الأرباح الهائلة التي تجنيها الشركات المتعاقدة الرئيسة والتي تقوم بدورها بتوزيع العمل على الشركات المحلية بعقود فرعية وبأسعار رخيصة لا تتعدَّى قيمتها الكسور من المبالغ الطائلة التي تربحها الشركات الأميركية.
لقد تضمن التقرير العالمي للفساد 2005 كذلك تقارير وتقييمات مفصلة عن الفساد في 40 دولة أعدته الشفافية الدولية وخبراء آخرون. وتضمَّن الكتاب التقرير أحدث النتائج المتعلقة بأبحاث الفساد وأفضل الطرق لمحاربته، ودراسات عن العلاقة بين الفساد وقضايا مثل التلوُّث، والنوع الاجتماعي والاستثمار الأجنبي. ومن أبرز أمثلة الفساد من التقرير العالمي للفساد: أدى عدم التزام مقوِّمات الشفافية في عملية إعادة البناء في العراق إلى المخاطرة وانتشار الفساد إلى مستوى ضخم، ذلك لأن الأموال كانت تتدفَّق بشكل مفرط من دون إجراءات صرف وفق الأصول أو من خلال نظام بسيط لحصر الموجودات في الوزارات والمؤسسات وشركات القطاع العام. إضافة إلى ميراث الفساد الذي ورثه الشعب العراقي عن النظام السابق بسبب سيطرته على الاقتصاد، وأيضاً السرعة الكبيرة في تعريف المجتمع على سياسات الاقتصاد الجديدة بعد الحرب. إن ما قد تفرضه الرقابة الدولية على التمويل IMF ونادي باريس من ضرورة خصخصة الشركات بسرعة كبيرة كشرط أساسي لتخفيض إعادة جدولة ديون العراق البالغة 120 بليون دولار أميركي قد تفسح مجالاً واسعاً لفرص ممارسة عمليات الفساد.
وقد خصَّص تقرير 2005 فصلاً في الدراسة، اهتم بالرشوة في التغطيات الإخبارية الإعلامية وأرفقه بدليل، رتَّب فيه 67 دولة حسب صدقيتها في عدم تقديم الرشى. في هذا المجال، احتلت سويسرا المرتبة الرابعة فيه بعد فنلندا والدنمارك ونيوزيلاند، كأفضل الدول حرصًا على التكوين المهني وأخلاقيات المهنة وحرية الصحافة والمنافسة، بينما احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة 53 كأفضل دولة عربية، تليها الكويت بأربع نقاط ثم البحرين والأردن ومصر في المرتبة 60 و61 و62 على التوالي، وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة قبل الأخيرة، التي تحتلها الصين.
وخلص التقرير في هذا الفصل إلى أن العلاقة بين الثقة والفساد عكسية بشكل دائم؛ فالدول ذات الصدقيات ومعدلات الثقة العالية، يقل فيها الفساد بشكل كبير، والعكس بالعكس، كما نوَّه إلى أن الثقة والأمانة أهم من وجود مؤشرات تركيبية مثل مستوى الديموقراطية أو الاستقرار السياسي.
لقد تطرَّق تقرير منظمة الشفافية الدولية 2005 بتناوله الفساد في قطاع الإنشاء والتعمير، إلى ملف بالغ الأهمية ومتداخل بصورة معقدة، حيث تجتمع مصالح الشركات الدولية الكبرى والمؤسسات المالية الدولية، مع اهتمامات كبار رجال الأعمال والممسكين بزمام الأمر. أما استفادة المواطن العادي من إعادة الإعمار أو الانشاء والتشييد والتجديد، في رفع مستوى معيشته وتحسين استفادته من البنى الاساسية والخدمات، فمن الواضح أنها تأتي في ذيل قائمة الإهتمامات.
إن مؤشر مدركات الفساد لعام 2007 مؤشر مركب يعتمد على 14 استقصاء لآراء الخبراء عن إدراكهم للفساد في القطاع العام في 180 دولة حول العالم، ويمثل عدد الدول هذا العام أكبر مجال للمؤشر حتى الآن. يقيِّم المؤشر الدول على مقياس من صفر إلى عشرة حيث يشير الصفر الى مستويات عالية من إدراك الفساد بينما عشرة تمثل أقل إدراكًا للفساد. يعتبر الفساد من الأسباب الأساسية لإعاقة النمو والتطور. وحسب مؤشر الفساد لمؤسسة الشفافية الدولية، تبيَّن أن لبنان سجل تراجعاً ملحوظًا في هذا المجال: فبعد أن كان يصنَّف في المرتبة 63 عالمياً  العام 2006 تراجع العام 2007 ليصبح في المرتبة 99 من بين 180 دولة مصنفة على هذا المؤشر أي بتراجع قدره 36 مرتبة، وكان تقديره 3نقاط فقط من أصل عشرة. وهي علامة تعطى للدول الفاسدة جداً، أو المتجاهلة تماماً للفساد. وكلما اقتربت علامة دولة ما من 10 تكون أكثر نظافة وشفافية. ويركز مؤشر الشفافية على مستوى الفساد في القطاع العام، ومعرفة سوء استغلال الوظيفة العامة من أجل مصالح خاصة.
وسجل الاردن 4.7 نقطة في المؤشر بدرجة ثقة تراوحت بين 5.3 العام 2006 الى 4.4 العام 2007. وقالت المنظمة إن الأردن كان في قائمة الدول الأكثر تدهورًا في نتائجها مع النمسا والبحرين وبوتان وعمان ولبنان ومجموعة أخرى من الدول.
ولم يكن حال سورية بأحسن من لبنان، فقد حلَّت بالمرتبة 13 إقليمياً العام 2007 بعد أن كانت في المرتبة 10 العام 2006، وحلَّت بالمرتبة 138 عالمياً بعد أن كانت بالمرتبة 93 العام 2006، وكانت نقاطها 2.9 نقطة العام 2006 تراجعت العام 2007 لتصبح نقاطها 2.4.
أما اليمن فحاله ازداد أيضاً سوءًا، فقد حلَّ في المرتبة 10 إقليمياً سنة 2007، وفي المرتبة 131 عالميًا سنة 2007 بعد أن كان بالمرتبة 111 سنة 2006، وعدد نقاطه وفق مدركات الفساد سنة 2006 كان 2.6 تراجع سنة 2007 ليصبح 2.5. وجدير بالإشارة أن إسرائيل احتلت المرتبة الأولى إقليمياً العام 2007، واحتلت المرتبة 30 عالمياً، وكانت عدد نقاطها 6.1 جدول رقم(3).
4: انخفاض مستوى التعليم لدى شريحة واسعة من الأفراد
يؤدي الحصول على تعليم من نوعية جيدة دوراً هامًا في تمكين الأطفال من التنافس في عالم الألفية الجديدة السريع التغيُّر. والطريق إلى الرفاهية الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية يبدأ على مستوى المدرسة الابتدائية حيث ينمي الأطفال المهارات اللازمة من خلال المشاركة الأكاديمية والأنشطة المجتمعية. إن معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي هو 82% بين العامين 1990و2002.
أما المتوسط العام العربي لمعدل الأمية فيبلغ 30.1% من السكان البالغين 15 سنة فما فوق العام 2004، مقابل 21.1% في الدول النامية، وبلغت 14.7% بين الشباب العرب (15-24 سنة)، في حين أنها 12.6% في الدول النامية. تَرَكّز الأمية بين الإناث البالغات والشابات واللاتي يقدر معدلهما بنحو 40.3% و19.6% من إجمالي الفئتين على التوالي العام 2004 جدول رقم(5).
هذا الواقع المرير يحتاج إلى جهود مضنية، ووقت طويل، كي يتم القضاء على هذه الآفة التي تصدع أركان الدولة، فإذا أرادت أن تكون دولة متطورة، يجب أن يكون واضحاً أن لا تطور مع الجهل، ولا إمكان لمواكبة ركب التطور السريع والتكنولوجيا إلا بتأمين التعليم لسائر شرائح المجتمع كي يتمكن من الاندفاع بقوة.
إن الفقر هو الحائل الرئيس دون التعليم. وعندما يطالب الأبوان بالاختيار، فإنهما يميلان إلى استبعاد البنات أولاً من الذهاب إلى المدرسة. فمن الواضح أن الفجوة بين معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين الذكور والإناث مرتفعة جدول رقم(5).
رابعاً: آثار الفقر
يظهر بأن للفقر تأثيرًا كبيرًا على مستوى تعليم أفراد المجتمع وعلى المستوى الصحي أو انخفاضه في الدول الفقيرة والغنية على حد سواء، وعليه سنحاول أن نتبين ذلك:
1- العلاقة بين الفقر والأمية
"هناك ترابط بين مشكلة الفقر ومشكلة الأمية والجوع، اللتين تخلقان مع البطالة حلقة مفرغة من الضعف والحرمان. ولا ريب أن الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر ستذهب سدى إن لم تبذل في الوقت ذاته جهود لزيادة الإلمام بالقراءة والكتابة. ومن حيث الفقر البشري والرعاية الاجتماعية تعيق الأمية تلبية الاحتياجات الأساسية اليومية مثل الغذاء والرعاية الصحية وحتى السكن"
رب سائل، ما العلاقة بين الفقر والمرض
يجيب تقرير يونيسف للعام 2000 أنه "وبينما يحصل المتعلِّمون على المعرفة اللازمة لحماية أنفسهم من الفيروس، نرى أن المعلومات التي قد تساعد على إنقاذ الأرواح لا تجد سبيلها لأولئك الأقل حظاً في التعليم أو غير الحاصلين على التعليم إطلاقاً. ووفقاً لدراسة شملت 35 بلداً، وجد أن احتمالية عدم المعرفة عن المرض بين غير المتعلمين سواء من الرجال أو النساء، كانت خمس مرات أكثر من أولئك الذين حصلوا على تعليم أعلى من المرحلة الابتدائية، وكانت أرجحية عدم معرفة غير المتعلمين بإمكان انتقال المرض من الأم إلى الطفل ثلاث مرات أكثر منها بين المتعلِّمين، وأرجحية عدم المعرفة بأن المصاب بفيروس نقص المناعة البشرية قد يبدو سليماً بشكل تام للعيان ثلاث إلى أربع مرات أكثر(26)".
ويضيف التقرير "أننا لا نستطيع التعامل مع لب المشكلة وهو الفقر. فإذا ذهبت إلى بيت ووجدت أن الطعام الوحيد الذي دخله كان من شخص يبيع الجنس، فهل يظن أحد أن الأسرة ستوقف ذلك الشخص عما يقوم به؟ لا أظن ذلك". وتقول إن الأمل في تحويل تيار الإيدز يتوقف على العثور على علاج بسرعة وعلى الحد من الفقر". "الحلقة التي تربط بين المرض والفقر واضحة بصورة خاصة في زامبيا، حيث ضاعت 70.000 فرصة عمل في القطاع الرسمي بين العامين 1991 و1995، وقد وفَّر التدهور الاجتماعي والاقتصادي السريع في البلد أرضاً خصبة يترعرع فيها مرض الإيدز. والفتيات معرَّضات بشكل خاص للوقوع في الشرك. ويستسلم الكثير منهن لإغراء الرجال المسنين". والذين يرابطون حول المدارس عارضين النقود والهدايا الثمينة مقابل الجنس".
3- العلاقة بين الفقر والفساد
أظهرت منظمة الشفافية الدولية العلاقة القوية والواضحة بين الفساد والفقر في نتائج المؤشر للعام 2007، فالدول المنخفضة الدخل كما صنَّفها البنك الدولي كالصومال وميانمار اللتين حصلتا على أدنى درجة بمقدار 1.4 بينما تربعت الدنمارك على قمة المؤشر بتقدير 9.4 مع فنلندا ونيوزيلندا. ثمة علاقة قوية وواضحة بين الفساد والفقر في نتائج المؤشر للعام 2007 تقريبًا نتائج أربعين في المائة من الدول حصلت على نتيجة أقل من ثلاث نقاط، جميع هذه الدول منخفضة الدخل كما صنفها البنك الدولي. وتلازم، "وفقا للمنظمة"، الدول المضطربة سياسياً مثل أفغانستان والعراق وميانمار والصومال والسودان أسفل الترتيب، وتقول المنظمة أن البلاد المضطربة سياسيًا والتي تسودها الصراعات تدفع مبلغًا باهظًا في قدرتها على الحكم حيث تتلاشى أو تنعدم المؤسسات العامة ويقوم المرتزقة بالاستيلاء على الثروات العامة فيتفشى الفساد.
بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، كتب أندريه زوانييكي، المحرر في نشرة واشنطن مقالاً مما جاء فيه: يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن تقريرًا نشر مؤخرًا يجد صلة وثيقة بين الفقر والفساد يعزز الدليل المتنامي على أن الفساد يعيق الجهود المبذولة لانتشال الناس من الفقر وتوفير الفرص الاقتصادية الجديدة لهم. وقال ديفيد لونا، مدير مكافحة الفساد ومبادرات الحكومة عقب نشر مؤسسة الشفافية الدولية مؤشر الانطباعات حول الفساد العام 2006 "من الواضح أن الفساد ينجم عن سوء تخصيص الموارد ويميل إلى أن يكون أكثر شمولية حيث تكون أنظمة الحكم والإرادة السياسية ضعيفة."
وقال لونا في 6 تشرين الثاني/نوفمبر إن الفساد يساعد على زيادة حدة الفقر، خصوصًا عندما يسرق مسؤولون على مستوى رفيع الأموال من خزائن دولهم أو يسيئون إدارة موارد عامة يقصد بها تمويل تطلعات شعبهم لحياة أفضل. وقال إنه في كثير من أنحاء العالم، وجد التقرير أن المسؤولين المختلسين عبأوا جيوبهم بالمال بدلاً من تمويل مشاريع تنموية مثل بناء طرق جديدة، ومدارس ومستشفيات. وأضاف أنه في إطار أوسع، فإن الفساد الكبير يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى جمود اقتصادي ويزيد التباينات الاقتصادية والاجتماعية مع الوقت، عندما تحدث في آن معًا التكاليف المرتفعة لتوفير خدمات عامة والقدرات المنخفضة لجمع ضرائب. وقد وجدت منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة دولية غير حكومية نذرت نفسها لمكافحة الفساد على صعيد العالم، علاقة قوية بين الفساد والفقر في تلك الدول التي تعتبر الأشد فقرًا. وقال لونا إن تقرير الشفافية الدولية يؤكد ما بيّنه كثيرون في المجتمع الدولي على مدى سنين – وهو أن فرص الاستثمار والنمو الاقتصادي لا تتوافر بسهولة في تلك الأماكن حيث الفساد مستشر، وأن المستثمرين يطالبون بصورة متزايدة بضمانة أقوى لسلامة السوق للتخفيف من حدة المخاطر المحتملة من جراء الحكم السيء ".
العلاقة بين الفقر وسوء التغذية
يعتبر موضوع الغذاء وكيفية تأمين كامل حاجات شعب كل دولة من الدول، من أهم المعضلات. فالدول التي تعاني نقصًا في تأمين احتياجاتها على الصعيد الداخلي "تسعى لحل هذه المشكلة إما بزيادة قدرتها الانتاجية، وإما بعقد اتفاقات مع دول تضمن لها تأمين ما تحتاج إليه، ولو أن ذلك ليس بالأمر اليسير تماماً. ويتفاقم وضع العديد من الدول نتيجة عدة عوامل أهمها ما ينتج عن هذا النقص عنيت بذلك سوء التغذية. ألا يَمُوت الملايين من الأطفال في كل عام نتيجة سوء التغذية؟ إن أعداد الذين يعانون سوء التغذية يتعاظم سنة بعد سنة نتيجة الفقر الذي يعانيه الملايين.
بالطبع ينطبق حال الدول العربية على تلك الدول التي تعاني نقصًا مزمنًا ومتزايدًا لتأمين الغذاء، والمسؤولون في المنظمات العربية نبهوا باستمرار إلى أن الازمة الغذائية في اتساع مستمر وتزداد حدتها سنة بعد سنة. والجدول الرقم (7) يعطينا فكرة عن تزايد الفجوة الغذائية سنة بعد سنة، فبعد أن كانت سنة 1995 لا تتجاوز كثيراً 12.3 مليار دولار قفزت إلى قرابة 17.85 مليار دولار سنة 2005. وهذا ما يثقل كاهل اقتصاديات الدول خصوصًا الفقيرة منها.

خامساً: الحلول المقترحة
ليس المجال في بحث متواضع للكلام على سائر الحلول الضرورية لمعالجة ظاهرة الفقر التي تمتد جذورها إلى كل شيء. فـتأمين نظام سياسي ملائم، وتخفيض الدين العام، وإيجاد توازن نسبي في الموانة العامة، وإزالة الفجوة والفوارق بين الرجل والمرأة، وتمكين المرأة من القيام بدورها الطبيعي، وتخفيض معدل وفيات الأطفال، بتحسين الصحة والصحة الانجابية، والانتباه إلى أهمية تأمين بيئة نقية، وتأمين الشفافية في الإداء، إضافة إلى تطوير شراكة عالمية للتنمية كلها عوامل يساند بعضها البعض الآخر، وبالتالي تؤدي إلى نتائج هامة.
إلا أنه وعلى الرغم من أهمية كل ذلك يبقى أمراً لا بد من التوقف عنده: إن مفتاح كل ذلك هو توافر المال اللازم والإنسان الكفوء، وهذا يعني أنه لا بد من قاعدة أساسية للانطلاق منها، أي من أين نبدأ؟ وفي رأيي المتواضع من الضروري البدء بدفع عجلة الإنتاج لتعمل بطاقتها القصوى، وتحقيق نمو اقتصادي كبير، وتحقيق عدالة أفضل في توزيع الثروة، ورفع كفاءة اليد العاملة، والتنسيق بين الدولة ومؤسسات المجتمع الأهلي وتأمين الشفافية. وعليه سنقتصر في معالجة الحلول على هذه النقاط
1-  تطوير القطاعات الاقتصادية وتمفصلها
طالما أصبح واضحاً أن سبباً أساسياً من أسباب الفقر يعود إلى الوضع الاقتصادي غير السليم فهذا يستدعي وضع تصور لكيفية زيادة نمو الناتج المحلي الوطني، بمعنى أنه لا يجوز تطوير قطاع وإهمال قطاعات أخرى، أو تطوير مناطق الحضر وإهمال مناطق الريف.
لذا، فوضع تصور لتفعيل الإنتاج الوطني كي يسهم في تحقيق النمو وفي رفع مستوى التراكم الضروري لتأمين عملية الاندفاع الدائم للاقتصاد الوطني، يستدعي تعبئة كل الطاقات، وفي كل المناطق لتحقيق ذلك. وهذا يستدعي تضافر جهود الدولة وجهود الأفراد على حد سواء. فالقطاع الخاص قد ثَبُتَ عملياً أنه إذا ما اعطي الثقة والأمان فإنه يعمل باندفاع لا مثيل له إلى جانب القطاع العام.
إن الرد الطبيعي على أي اختلال هيكلي، متمثِّل بالهشاشة والثنائية، هو بالتمفصل القطاعي. ويكون ذلك بإعادة تنظيم عمليات الإنتاج، وتمويل الإنتاج وادارته، والأساليب الفنية المتبعة على أسس تحفظ تأمين الترابط بين النشاطات الإنتاجية داخل الدولة وتوجيه المرفق الإقتصادي المتقدم للاضطلاع بدور متمِّم ومساعد لنشاط الإقتصاد التقليدي. ومن هنا يبدأ العمل للتخلص من التفكك القائم في القطاعات المنتجة. وبذلك يتبرَّأ الإقتصاد من أن يكون أحادي الجانب في نموه وتطوره. وتبدأ القطاعات بالتفاعل في ما بينها. فما تنتجه الصناعة يوضع في خدمة الزراعة وما ينتجه القطاع الزراعي يرى في القطاع الصناعي مجالاً لتحويله إلى إنتاج استهلاكي متنوع. وطبعاً يؤدي قطاع الخدمات دور الوسيط الأساسي بين القطاعين المذكورين.
"إن تحقيق نمو مستدام وزيادة فرص التشغيل تحتاج إلى نمط جديد للتنمية يقوم على ثلاثة تحولات جوهرية متمثلة في: تفعيل دور القطاع الخاص، التحول من الحماية والإنغلاق إلى مزيد من الانفتاح والاندماج في الأسواق العالمية، والتحوُّل من اقتصاد أحادي الموارد إلى اقتصاد أكثر تنوعاً واستقراراً. وتتطلَّب هذه التحولات بدورها تحسين البنية المؤسسية وأسلوب إدارة التنمية، بالإضافة إلى قيام عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومختلف الأطراف الفاعلة في الإقتصاد. وبالإضافة إلى هذه الإصلاحات الاقتصادية، هناك حاجة الى تنفيذ إصلاحات هامة أخرى، من بينها الحد من النمو السكاني وإستصلاح المنظومة التعليمية لتلافي تدني المستوى التعليمي ومخرجاته التي لا تتماشى مع متطلبات سوق العمل الحديثة".
لذا، لا بد من تدعيم القاعدة الانتاجية، وتخفيف ما أمكن من هشاشة الاقتصاد المكشوف على الخارج. وذلك بتقليص الاعتماد على استيراد السلع من الخارج الأمر الذي يعني في نهاية المطاف تخفيفًا لاستيراد التضخم، وهذا ما يجب أن تكون عليه السياسة الاقتصادية الانمائية. إن نمو القطاع الصناعي يحمل إيجابيات كثيرة أبرزها تحول أعداد كبيرة من اليد العاملة الكامنة.
2 - تأمين عدالة أفضل في توزيع الثروة
إن الفروقات الكبيرة بين ذوي الدخل المحدود، وذوي الثروات الطائلة، قد تعمق بشكل كبير، بل إنه يمكن القول بأن الفئة الوسطى قد ضمرت. ولذا، فإن تنمية الإنتاج (زراعي أم صناعي أم خدماتي) تفترض بالضرورة تأمين تصريف أكبر للإنتاج الوطني في السوق المحلية. وهذا يستدعي حكماً، تحسين أوضاع الفئات الدنيا من المواطنين والتي تشكل السواد الاعظم من الناس. ويستدعي أيضاً، حلاً لمشكلة البطالة المستشرية، وإلا فإن اقتصاد أي بلد سيبقى في ركود وتدهور. وبالتالي فإن اليد العاملة الكفوءة ستضطر مرة جديدة إلى ان تهجر الوطن إلى وطن آخر يؤمن لها حياة حرة كريمة. لذا، فإن سياسة اقتصادية فضلى يجب أن تحقق العدالة الاجتماعية بحيث تسهم إلى حد كبير في إزالة الحقد الاجتماعي الذي يبعد العنف المدمر، ويعبد الطريق أمام علاقات اجتماعية (أرباب عمل وعمال) أكثر توازناً، فتضعف، إن لم نقل تنعدم، الانتفاضات الاجتماعية.
إن تطوير القاعدة الإنتاجية، ليس له معنى إيجابي إذا لم يحدد بالضرورة من هو المستفيد من التطورات الحاصلة في الإنتاج ومن مردوده، أي من هو المستفيد من المشاريع العامة؟ يجب أن يستفيد كل مواطن في المجتمع حيث تتأمن له حياة كريمة فيتخلص بالتالي المجتمع من الآفات الثلاث: الفقر، والجهل، والمرض. إن ذلك قد يتحقَّق إذا ما قامت السلطة السياسية بوضع خطةٍ "تحدِّد بواسطتها الأهداف الاقتصادية ووسائل تنفيذها، بخاصة ضمان وسائل الانتاج، واليد العاملة في مختلف المرافق. وهكذا فالتخطيط يصبح أداة للاستراتيجية الاقتصادية الهادفة إلى بلوغ الدخل الوطني أفضل مستوى، ولا يعني التخطيط تحولاً إلى نظام موجه بل يعني التنظيم، والعقلنة، والمرونة، والفاعلية، كي يتمكن البلد من الاستفادة من إمكاناته بشكل صحيح، وأفضل. وعلى صعيد آخر لتلبية الحاجات القصوى.
"في إعلان كوبنهاغن وبرنامج العمل اللذين تم تبنيهما في القمة العالمية للتنمية الاجتماعية العام 1995 التزم 117 رئيس دولة وحكومة جعل هزيمة الفقر، والتشغيل الكامل، وتأسيس مجتمعات مستقرة، آمنة وعادلة الهدف الأول لسياسات التنمية في بلادهم. وتضمنت الالتزامات المحددة بلغة إعلان إقامة بيئة تمكن الناس من تحقيق التنمية الاجتماعية، والقضاء على الفقر في العالم، وتعزيز التشغيل الكامل، وتمكين كل الرجال والنساء من الحصول على سبل معيشة آمنة ومستدامة، وتعزيز التكامل الاجتماعي القائم على حماية جميع حقوق الإنسان وكذلك على عدم التمييز، وعلى التسامح، واحترام التنوع، وتساوي الفرص، والتضامن والأمان، ومشاركة الناس جميعاً بما يشمل الجماعات والأفراد المحرومين والمستضعفين، وتحقيق العدالة والمساواة بين الرجال والنساء، وتعزير تكافؤ الفرص في التعليم وتعميم التعليم الراقي النوعية، والإسراع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، بخاصة في البلاد الأقل نمواً، وضمان شمول برامج التكيُّف الهيكلي لأهداف التنمية الاجتماعية، وزيادة الموارد المخصصة للتنمية الاجتماعية واستغلالها بكفاءة أكثر، وأخيراً تحسين إطار التعاون الدولي والإقليمي وما دون الإقليمي من أجل التنمية الاجتماعية".
3-تطوير اليد العاملة
يفترض تطوير يد عاملة قادرة على استخدام الآلة، بالضرورة، العمل على تأمين الملاكات الفنية المختلفة الكفاءة التي تتمكن من استخدام الآلة (التكنولوجيا) بسهولة، والتعامل معها، ومراقبة عملها. وهؤلاء العمال بالتالي هم الذين يحققون مستوى أداء وانجاز حقيقي متطور أو أقل تطورًا. لذا، فكم هو مهم دور الدولة في اتخاذ قرارات توجيهية حقيقية، وذلك بإنشاء المدارس المهنية وتشجيع تحويل الناشئة إليها لما لذلك من دور في تبديل الذهنية التي تعتبر بأن الشهادة الجامعية هي الوحيدة التي تحقق حياة أفضل. "لقد اصبحت أهمية تطوير التعليم التقني والتدريب المهني تلقى قبولاً عامًا بحسبانه ليس كحل لمشاكل الطلبة المتسربين من المدارس، بل كوسيلة قادرة على تحسين فرص التشغيل ودعم الاقتصادات بالقوى العاملة الماهرة والمؤهلة".
لقد أثبت الواقع أن اليد العاملة المتخصصة ذات قيمة مرتفعة في سوق العمالة الداخلية والعالمية. فالدول النامية التي تتوافر لديها  اليد العاملة الكفوءة، وبأسعار استخدام تنافسية، سوف تكون قادرة على تصديرها إلى ارجاء العالم كافة، فالبولونيون والتشيك والرومان والالمان (من شرق ألمانيا) يسعون لايجاد فرص عمل في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الاميركية معتمدين في أغلب الأوقات على كفاءة عالية وأجور منخفضة، وأميركا اللاتينية تصدر أيضاً القوى العاملة نحو الشمال. والهند أيضاً أضحت مصدراً قويًا لليد العاملة الكفوءة والمدرَّبة. هذا يعني أن على العامل أن يكون في أتم الجهوزية للعمل بالسعر التنافسي، ومزوداً معرفة وتقنية عاليتين. أما أولئك الذين لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة، فمحكـــوم عليهم بمصير صعب. والتحدي الكبير في السنوات القادمة سوف يتمثل بالقدرة على إيجاد حل للملايين من الفقراء العاطلين عن العمل والذين لا يتمتعون بأية كفاءة، ويتحقق ذلك نسبياً بإعادة تأهيلهم وتدريبهم.
4- تفعيل التعاون والتنسيق بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني
يتأمن العمل الفعال المشترك بين الدول والمجتمع المدني بتحقيق الآتي:
- تطوير الإطار التشريعي الناظم لعمل منظمات المجتمع المدني: وهذا يعني في ما يعنيه تفعيل دور الأحزاب السياسية الوطنية لتتمكن من الاضطلاع بدور طليعي، ولا يكون وجودها هشاً هامشياً في الحياة السياسية، وبالتالي تعاطي الدولة مع الأحزاب السياسية على أنها مؤسسات وطنية للتنمية السياسية والديمقراطية.
- تفعيل دور الجمعيات والهيئات الاجتماعية بحيث تتمتع بالاستقلالية في إدارة انشطتها من دون تدخل في عملها، وهذا وحده يكفل للجمعيات غير الحكومية حق ممارسة أنشطتها التي تشكل ترجمة لأهدافها وبرامج عملها بعيداًُ عن التهديد بحظر هذه الأنشطة بدعوة أن لها أهدافاً سياسية.
وتقول منظمة الشفافية الدولية في "توجيهاتها ونصائحها" المبنية على نتائج تحديد درجة الفساد عبر الدول، بأن "تعزيز مؤسسات المجتمع المدني والمواطنة، هي إستراتيجية مهمة للدول النامية التي تهدف إلى تحميل الحكومات المسؤولية"، وقال بهذا الصدد، المدير الإداري لدى المنظمة، كوبس دي سورات، "لكن الكثير من الحكومات تحد من نشاطات مؤسسات المجتمع المدني"، كما سجلت الهيئة نفسها أن الكثير من الحكومات غير قادر على "تحمل عبء الإصلاح لوحدها".
إن الشراكة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني "أضحت مسألة جوهرية، وعملية بناء شراكات فاعلة في المنطقة العربية، هو تحد ينضم إلى باقي تحديات التنمية البشرية المستدامة". إن وثيقة الأهداف الإنمائية للألفية، التي التزمها العالم، تتناول أهمية وجود المجتمع المدني القوي" أي ليس مجرد "بنية تنظيمية، وإنما مؤسسات مدنية فعالة، لا بد من توفير البيئة الملائمة لها".
إن التشديد على ضرورة وجود مؤسسات مدنية فعالة، ينطلق من الفجوة الكبيرة بين الخطاب السياسي الذي يركِّز على أهمية الشراكة وقيمتها، وبين الواقع الذي ما يزال التطبيق فيه هزيلاً، فلا يترجم إلى خطط عمل وتوجهات واضحة تحقق الشراكة الفعلية وتسعى إلى تدعيمها
إن تفعيل دور المؤسسات الشبابية بشكل خاص والتنسيق والعمل المشترك بين منظمات المجتمع الأهلي بشكل عام، يتأمن عن طريق وضع مشاريع مشتركة، والحصول على مساعدات ومساندة الدولة والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، بهدف التخفيف من حالة الفقر الموجودة في المناطق كافة.
5- تأمين الشفافية
 ما هي الشفافيّة ؟
"يُعنى بالشفافيّة في التقارير الماليّة مجموع التصاريح الماليّة التي تعكس بصدق ووضوح الأداء العمليّ والماليّ للشركة في فترة زمنيّة محدّدة (فترة سنة عادةً)، كما تعكس الوضع الماليّ للشّركة في بداية هذه الفترة ونهايتها". "وعلى الرّغم من بساطة هذا التحديد، إلاّ أنّه أظهر صعوبةً في التّطبيق وفي المراقبة ليس فحسب في البلدان النّامية بل في البلدان المتطوّرة أيضاً حيث أبرزت الفضائح الماليّة التي وقعت مؤخّراً في الشّركات العالميّة حاجةً ماسّة إلى وضع معايير مشتركة في أنظمة المحاسبة في جميع أنحاء العالم وإلى تأمين أكبر درجة من التقيّد لا سيّما في ما يتعلّق بالشركات المدرجة في البورصات..
"وعلى الرّغم من بساطة هذا التحديد، إلاّ أنّه أظهر صعوبةً في التّطبيق وفي المراقبة ليس فحسب في البلدان النّامية بل في البلدان المتطوّرة أيضاً حيث أبرزت الفضائح الماليّة التي وقعت مؤخّراً في الشّركات العالميّة حاجةً ماسّة إلى وضع معايير مشتركة في أنظمة المحاسبة في جميع أنحاء العالم وإلى تأمين أكبر درجة من التقيّد لا سيّما في ما يتعلّق بالشركات المدرجة في البورصات".
في هذا المجال يجدر بالإشارة أن الدول العربية قد حقَّقت نتائج مخيِّبة للآمال في التقرير الأخير الذي صدر عن مؤسسة الشفافية الدولية لعام 2007، والذي أعلنت نتائجه في مدينة برلين الألمانية. فقد جاءت قطر كأكثر الدول العربية شفافية، وأقلها فسادًا، حيث احتلت المركز الثاني والثلاثين على المستوي العالمي، وتلتها دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الرابع والثلاثين والتي تراجعت بمقدار ثلاثة مراكز عن ترتيبها العام الماضي (31). وتراجعت جميع الدول العربية تقريبًا في مقدار الشفافية عن مراكزها التي حققتها العام الماضي، فقد حلَّت البحرين في المركز (46) بدلاً من (36) العام الماضي، الأردن (53) بدلاً من (40)، وسلطنة عمان (55) بدلاً من (39)، الكويت (60) بدلاً من (47)، تونس (61) بدلاً من (52)، السعودية (79) بدلاً من (70)، ثم الجزائر (99) بدلاً من (84)، ولبنان (99) بدلاً من (63). بينما احتلت مصر المركز (105) بدلاً من (70)، موريتانيا (123) بدلاً من (86)، ليبيا )131 (بدلاً من (107)، واليمن (131) بدلاً من (119)، سوريا (138) بدلاً من (97)، السودان (174) بدلاً من (159)، العراق (178) بدلاً من (161)، وأخيرًا الصومال التي حلَّت في ذيل قائمة دول العالم في المركز )179).

6- تضافر جهود المجتمع الدولي
طالما أنه ينظر للفقر على أنه ظاهرة عالمية ويشكل بالتالي مشكلة تعانيها سائر دول العالم، وإن كانت بمقاييس مختلفة، لذا، كان لزاماً على المجتمع الدولي من خلال منظماته أن يتعاضد للمساهمة في إيجاد الحلول لهذه المشكلة.
ذلك أن ظاهرة الفقر التي تَحل بمليارات الناس في العالم سيصيب شظاها كل مجتمع، أليس الإرهاب صنيعة الفقر والجوع والجهل والحرمان والحقد؟ ألم يرتفع إجمالي الدين العام القائم في ذمة الدول النامية واقتصاديات دول السوق الناشئة الأخرى من 3.023 تريليون دولار العام 2005 إلى حوالى 3 تريليون و243 مليار دولار العام 2006؟ ألم تصبح مديونية دول الشرق الأوسط حوالى 282.4 مليار دولار أميركي؟
طبعاً المجتمع الدولي "يسعى" ولكن سعيه خجولاً!
ألا يُصرف سنوياً على التسلُّح مئات المليارات؟ ألا تُصرف مئات المليارات على الحروب في العالم؟ الأ يستحق العالم أن يصرف القليل القليل من المليارات لحل مشاكله المؤلمة ؟
لقد بلغ اجمالي انفاق السلاح الدولي للعام 2006 حوالى ترليون و200 بليون دولار، كانت لأميركا فيها حصة الأسد إذ وصل حجم إنفاقها العسكري إلى 528.7 بليون دولار. وسيستمر ارتفاع الإنفاق الدولي على السلاح بعدما زاد بنسبة 37% خلال عقد واحد. أما روسيا فما يزال انفاقها العسكري هزيلا جداً، مقارنة بأميركا والاتحاد الأوروبي، إذ لم يتجاوز 34.7 بليون دولار .
وبحسب تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية كـ "أمنيستي" و"وكسفام" فإن ما يزيد على 68% من صادرات السلاح يذهب إلى بلدان الجنوب في العالم، حيث هناك 35 دولة تستورد 90% من الأسلحة في العالم من حيث القيمة. والملفت أنه العام 2005 كانت ستة بلدان من بين "مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى" بين أكبر عشرة مصدِّرين للأسلحة على مستوى العالم كله. وكانت البلدان الثمانية جميعها تصدر كميات هائلة من الأسلحة التقليدية الرئيسة أو الأسلحة الصغيرة إلى البلدان النامية. ووصلت أسلحة البلدان الثمانية إلى بعض من أفقر بلدان العالم وأشدها مكابدة للصراع (الكونغو الديمقراطية، الفلبين، كولومبيا، ومنطقة البحيرات العظمى)، وفي هذا دلالة واضحة على الدور الذي تضطلع به هذه الدول في تأجيج مناطق العالم بصراعات دموية، بغية فتح أسواق جديدة لأسلحتها، ومن بعد لشركاتها العاملة في مختلف المجالات كـ "البنية التحتية" والاتصالات وبناء الجيوش وتدريبها وتسليحها. تصدَّرت قائمة أكبر عشر دول مستوردة للسلاح خمس دول شرق أوسطية، وذلك بحسب دراسة أعدتها مؤسسة أبحاث السلام الدولية في استوكهولم والمعروفة باسم «سيبري»: من بينها إيران، والسعودية ودولة الإمارات وإسرائيل.
على المجتمع الدولي أن يسعى لمنع حدوث النزاعات المسلحة، وأن يعمل على فض ما هو دائر منها، وأن ينخرط مع الدول ذات الأطر الضعيفة في مجال وضع السياسات وإضفاء الطابع المؤسسي على حماية الأطفال والنساء، وأن يوفر الخدمات الأساسية. والاستجابات التي تتم في حالة الطوارئ للتعامل مع الأطفال العالقين في النزاعات المسلحة يجب أن تشمل خدمات التعليم، وحماية الأطفال العالقين في النزاعات المسلحة يجب أن تشمل خدمات التعليم وحماية الأطفال والوقاية من انتقال نقص المناعة البشرية.
ولكن كيف يمكن أن يحصل ذلك ولدى الولايات المتحدة الأميركية متطلبات "قيادية"، أضف إلى أن صناعة الأسلحة الأميركية، (وخصوصاً المصانع الكبرى المسؤولة عن حجم كبير من الوظائف)، لا تتحمل مسؤولية أمنية فحسب، بل أهمية اقتصادية أيضا.ً ألا تعمل في مصانع السلاح في الولايات المتحدة الأميركية أعداد كبيرة من العمال؟. لقد شكل حوالى 40 مصنعاً للأسلحة الأميركية نسبة 63% من إجمالي عقود مبيعات الأسلحة الأميركية التي قدرت العام 2005 بحوالى 290 مليار دولار. وعليه ألم تخدم القرارات السياسية صناعة الأسلحة بشكل واضح؟ خصوصًا في أثناء حرب العراق وإيران؟ وكذلك بعد اعتداءات 11 أيلول 2001؟ ألم تعمل هذه الصناعة بكامل طاقاتها في الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان وغيرها؟
والملفت مرة جديدة في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، أن 74% من الناتج القائم العالمي العام 2004 استأثرت بها الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي واليابان، وسكان هؤلاء الدول لا يشكلون سوى 14% من مجمل سكان العالم ، وهذه النسب كافية لوحدها لتظهر مدى التفاوت والهوة وعدم المساواة بين الدول المتقدمة والدول النامية. وهذه الدول قابضة بشكل واسع على مقدرات العالم، وتحديد خياراته وتوجهاته.
طبعاً تهتم الأمم المتحدة بموضوع الفقر في العالم، وتعقد لذلك المؤتمرات، في محاولة "للقضاء على الفقر المدقع" وقد "اكتشفوا" أنه لا بد من أنت يكون للأفراد فرص متساوية في عيش الحياة التي يختارونها، وفي النجاة من الحرمان الشديد". وعلى الرغم من كثرة المؤتمرات والبرامج والمخططات والقرارات التي تصدر عنها، إلا أن النتائج المطلوبة تبقى بعيدة المنال. وهذا يعني أن نتائج تجارب المنظمات الدولية على هذا الصعيد بقيت متواضعة جداً، ولا بد من تفعيلها ويتحقق ذلك إذا ما توافرت النوايا الحسنة ورغبة الدول الكبرى المتقدمة والمتطورة في تقديم المساعدة.
خلاصة عامة
للتخلص من الفقر في دولة ما هناك توليفة من العوامل التي لا بد من أن تتوافر لها، إلا أن نقطة البداية تكون في دفع عجلة الانتاج الوطني لتنمو بشكل كبير، فالعلاقة طردية موجبة، بين زيادة النمو وتقليل الفقر، لأن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل، وإلى صحة أسلم، بتأمين الغذاء والمسكن والملبس وخدمات أساسية من مياه شرب نقية ومواصلات وتعليم وطبابة واستشفاء، كلها تساهم بفعالية في عملية تسريع معدلات النمو الاقتصادي وزيادتها. ولا بد من أن يرافق عملية نمو الانتاج عدالة أفضل في توزيع الدخل، لأن عدم العدالة في توزيع الثروة يشكل سبباً في وقوع الاضطرابات.
إن النمو الكبير في الإنتاج يسهم ويسهل تأمين العمل لأعداد الشباب التي تخرج إلى سوق العمل كل سنة، وتأمين العمل لأكبر شريحة من الناس التي تترجم فاعليتها بقدرة شرائية أكبر. هكذا تبدأ حركة متبادلة متسارعة بين العمل والاستهلاك. حينها تبدأ عملية رفع مستوى الفئات الفقيرة، من ذوات الدخل المنخفض والتي تمثل الأغلبية في أغلب المجتمعات العربية. كما أنه يجب أن يكون واضحاً أن الاقتصاد الوطني لم يعد مفصولاً عن الاقتصاد العالمي، الذي اصبح متأثراً تأثراً كبيراً به، وبآلياته بشكل كبير. فكلما ضعفت كفاءة المؤسسات الانتاجية، وتراجعت قدرة الانتاج الوطني التنافسية بسبب انخفاض جودة الانتاج الوطني وارتفاع كلفته، كلما تراجع سوق العمل عن استيعاب الاعداد الوافدة من العمال، وبالتالي تراجع إمكان المواطن من توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن.
طبعاً في الوقت الذي تكون فيه عجلة الانتاج تعمل بشكل متميِّز، تكون هناك ورشة عمل على جبهات أخرى: جبهة رفع مستوى المرأة وتشجيعها لتتعلَّم ولتأمين عمل لائق بها كي تصبح أكثر فاعلية في المجتمع، أما الجبهة الثانية فهي جبهة محاربة الفساد والرشوة كي تصبح المجتمعات الفقيرة أكثر شفافية، ويتحقق ذلك بإفساح المجال أمام منظمات المجتمع المدني كي تساهم بالتكاتف والتضامن مع إدارات الدولة ومؤسساتها في ضبط التسيُّب وتحقيق مستوى رفيع من الشفافية لأن إصلاح الإدارات العامة يسهم في تعظيم نتائج العمل.
من كل ما تقدم، حاولنا أن نستنتج أن ظاهرة الفقرة ظاهرة مأسوية ومحاربتها أمر ممكن، المهم أن تتوافر الإرادات وأن يوظف القليل من المال، عندها يصبح العالم أكثر بهجة، وأقل فقراً، وبؤساً وشقاءً وألماً وأمراضاً مستعصية.
المصادر : بحث وجمع  من موقع غوغل 



Commentaires